الخميس، مايو ١٩، ٢٠١١

بنيان الإسلاميين المرصوص - عهد ما بعد الثورة - جـ1...

..دقيقة 12..

واحد بيجي يستنكر على الإخوان إن هم قالوا إن الموسيقى حلال، طيب ما دي مسألة مُختلف فيها، أنا أعتقد ما ذهب إليه الأئمة الأربعة، أن الموسيقى محرمة، ودليلي على هذا الحديث الثابت في صحيح البخاري من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه، لكن نحن تربينا كسلفيين في ظل مدرسة الرأي الواحد...في ظل مدرسة الرأي الواحد...

أنا بفضل الله عز وجل تفطنت لهذا الأمر، أنا التزمت سنة 1977، تفطنت لهذا الأمر في مرحلة مبكرة سنة 1980، لما جاء الشيخ مقبل بن هادي رحمه الله إلى القاهرة –أسأل الله أن يرحمه ويرحم زوجته رحمة واسعة- وبالمناسبة واحد باعت يسألني الشيخ رحمه الله ألف رسالة بعنوان "إسكات الكلب العاوي..." إنتو عارفين بقية الاسم وأنا لا أحب أن أذكر الاسم وأنا لا أوافق على هذا، الكل يؤخذ من قوله ويرد، أنا لا أوافق على هذا، وإن كنت أنكر على الشيخ الذي تعرض له الشيخ مقبل أشياء ومنها أشياء طوام لكن لا نقول "إسكات الكلب العاوي"... لا نقول "إسكات الكلب العاوي" فالمسائل المختلف فيها لا إنكار فيها ولكن فيها التبيين... فيها التبيين...

الإخوان من ناحية أخرى جعلونا نُـنـَـظّـر وهم خرجوا إلى المجتمع وأنشؤوا الجامعات الطبية الإسلامية التي خدمت الناس ووفرت عليهم فعلا، يعني هم لهم تأثير مباشر في حياة الناس.. تأثير مباشر.. لما حصل الزلزال مين اللي كان حاضر؟ السلفيين؟!! الإخوان... لحد ما صدر قرار وزاري بإن ممنوع إن الإخوان يعملوا أي حاجة وحاصروهم في أماكنهم، فأنا أريد أن أقول يعني لا تقل هم لا ينكرون على الناس ونحن ننكر على الناس، إنت بتقوم برضه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما يبنغي؟ ولا واحد فينا بيقوم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر... فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى، الأولى يا إخواننا إن احنا كل ما الإنسان تتسع مداركه ويتعلم قواعد الشرع سيستطيع أن يسوق للناس المعاذير... سيستطيع أن يسوق للناس المعاذير...

............

..دقيقة 16..

ربنا سبحانه وتعالى يعني شاء أن يكون المسلمون... أن تتنوع توجهاتهم... يعني بتاع التبليغ مثلا يجيب لك الراجل المسجد وانت تعلمه -كسلفي-، والإخوان مثلا يقومون بالتشغيل والتوظيف وانت داعم... فيه تكامل بين الجميع... مافيش مانع، لكن أخشى ما أخشاه أن الخلافات التي وقعت في المساجد تنتقل إلى البرلمان إلى مجلس الشعب وهذه مصيبة ستضحك علينا العالم بأسره... ستضحك علينا العالم بأسره... فأنا حتى في مثل هذا (ردا على سؤال إنشاء حزب سلفي) ينبغي أن أدخل للدعم والترشيد، والإخوان دول يا إخواننا ناس لهم قلوب... ناس لهم قلوب...لماذا لا تمارس واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر معهم؟ أنا شخصيا لما أرى شيئا عليهم أتكلم فيه وكلامي بفضل الله عز وجل يأتي بنتيجة، مش معنى كدا إن أنا أستاذ عليهم.. لأ.. مش معنى كدا إني بأوجه جماعة الإخوان.. لأ.. بعض الإخوان من أصدقائي لما بأجد فيه شيئا، وبعض الإخوان من أصدقائي أشعر أنه أكثر تدينا مني، المسألة مش بالعنواين، غاية ما في الأمر أن الرجل رأى أن نصرة الدين لا بد أن تكون من خلال كيان أو جماعة، وذكرت في حينه لما اختلفنا في مسألة الجماعات –وأنا لا أنتمي إلى أي جماعة- ذكرت في حينها أن هذه المسألة ليست من الأمور القطعية... دي مسائل يدخل فيها الاجتهاد والنظر، يدخل فيها الاجتهاد والنظر ... لأن البعض أراد أن يجعل الانتماء لأي جماعة من الجماعات تهمة خطيرة جدا: ويقول لك الحزبية ومش الحزبية، وعارفين الكلام دا تردد كثيرا في الحقبة المظلمة الماضية، فأنا أريد أن تصفو القلوب... أريد أن تصفو قلوبنا

............

..الدقيقة 28..

واحنا ليه نعتبر أنفسنا شيئا والإخوان شيئا آخر؟! لماذا؟ لكن على كل حال أنا عن نفسي على استعداد بأن ننظم أنفسنا.. وإنما المسألة أننا انشغلنا بالتنظير دون الانشغال بالواقع العملي... يعني... أثمر سلبيات شديدة جدا... سلبيات... ... أتوقع بإذن الله تعالى... لأن هذه الثورة لما أنهت الحقبة المظلمة الأمور تغيرت يا إخواننا... الأمور تغيرت يعني امبارح بالأمس لما ذهبنا للاستفتاء يعني أحسسنا بمصر جديدة، واقرأ مقالة الأستاذ فهمي هويدي، فعلا ربنا يكرمه بيقول لك اللي حصل دا إيه؟ من علامات الساعة الصغرى؟! الجماعة المحظورة هي الموجودة في الواقع الآن والناس اللي كانوا بيقولوا الجماعة المحظورة وراء القضبان يحاكمون! إيه اللي بيحصل دا بالضبط؟!

............

__________________

المرجع: "أسئلة فقهية متنوعة - المجلس الثاني" درس بتاريخ 20 مارس 2011م من سلسلة: فتاوى العزيز بالله 1432 هـ - الشيخ الدكتور محمد عبد المقصود.

الأحد، أبريل ١٧، ٢٠١١

تكاليف الحرية أقل من تكاليف العبودية...

بعض النفوس الضعيفة يخيل إليها أن للكرامة ضريبة باهظة، لا تطاق، فتختار الذل والمهانة هرباً من هذه التكاليف الثقال، فتعيش عيشة تافهة، رخيصة، مفزعة، قلقة، تخاف من ظلها، وتَفْرَقُ من صداها، {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ} [المنافقون:4]، {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} [البقرة: 96].

هؤلاء الأذلاء يؤدون ضريبة أفدح من تكاليف الكرامة، إنهم يؤدون ضريبة الذل كاملة، يؤدونها من نفوسهم، ويؤدونها من أقدارهم، ويؤدونها من سمعتهم، ويؤدونها من اطمئنانهم، وكثيراً ما يؤدونها من دمائهم وأموالهم وهم لا يشعرون.

 وإنهم ليحسبون أنهم ينالون في مقابل الكرامة التي يبذلونها قربى ذوي الجاه والسلطان حين يؤدون إليهم ضريبة الذل وهم صاغرون، ولكن كم من تجربة انكشفت عن نبذ الأذلاء نبذ النواة، بأيدي سادتهم الذين عبدوهم من دون الله، كم من رجل باع رجولته، ومرغ خديه في الثرى تحت أقدام السادة، وخنع، وخضع، وضحى بكل مقومات الحياة الإنسانية، وبكل المقدسات التي عرفتها البشرية، وبكل الأمانات التي ناطها الله به، أو ناطها الناس ... ثم في النهاية إذا هو رخيص رخيص، هَيِّنٌ هَيِّن، حتى على السادة الذين استخدموه كالكلب الذليل، السادة الذين لهث في إثرهم، ووَصْوَصَ بذنبه لهم، ومرغ نفسه في الوحل ليحوز منهم الرضاء!

كم من رجل كان يملك أن يكون شريفاً، وأن يكون كريماً، وأن يصون أمانة الله بين يديه، ويحافظ على كرامة الحق، وكرامة الإنسانية، وكان في موقفه هذا مرهوب الجانب، لا يملك له أحد شيئاً، حتى الذين لا يريدون له أن يرعى الأمانة، وأن يحرس الحق، وأن يستعز بالكرامة، فلما أن خان الأمانة التي بين يديه، وضعف عن تكاليف الكرامة، وتجرد من عزة الحق، هان على الذين كانوا يهابونه، وذل عند من كانوا يرهبون الحق الذي هو حارسه، ورخص عند من كانوا يحاولون شراءه، رخص حتى أعرضوا عن شرائه، ثم نُبِذَ كما تُنْبَذُ الجيفة، وركلته الأقدام، أقدام الذين كانوا يَعِدُونه ويمنونه يوم كان له من الحق جاه، ومن الكرامة هيبة، ومن الأمانة ملاذ.

كثير هم الذين يَهْوُونَ من القمة إلى السَّفْح، لا يرحمهم أحد، ولا يترحم عليهم أحد، ولا يسير في جنازتهم أحد، حتى السادة الذين في سبيلهم هَوَوْا من قمة الكرامة إلى سفوح الذل، ومن عزة الحق إلى مَهَاوي الضلال، ومع تكاثر العظات والتجارب فإننا ما نزال نشهد في كل يوم ضحية، ضحية تؤدي ضريبة الذل كاملة، ضحية تخون الله والناس، وتضحي بالأمانة وبالكرامة، ضحية تلهث في إثر السادة، وتلهث في إثر المطمع والمطمح، وتلهث وراء الوعود والسراب ..... ثم تَهْوِي وتَنْزَوِي هنالك في السفح خَانِعَةً مَهِينَة، ينظر إليها الناس في شماتة، وينظر إليها السادة في احتقار.

 لقد شاهدتُ في عمري المحدود - ومازلت أشاهد - عشرات من الرجال الكبار يحنون الرؤوس لغير الواحد القهار، ويتقدمون خاشعين، يحملون ضرائب الذل، تُبْهِظ  كواهلهم، وتحني هاماتهم، وتلوي أعناقهم، وتُنَكِّس رؤوسهم.... ثم يُطْرَدُون كالكلاب، بعد أن يضعوا أحمالهم، ويسلموا بضاعتهم، ويتجردوا من الحُسنَيَيْن في الدنيا والآخرة، ويَمضون بعد ذلك في قافلة الرقيق، لا يَحُسُّ بهم أحد حتى الجلاد.

لقد شاهدتهم وفي وسعهم أن يكونوا أحراراً، ولكنهم يختارون العبودية، وفي طاقتهم أن يكونوا أقوياء، ولكنهم يختارون التخاذل، وفي إمكانهم أن يكونوا مرهوبي الجانب، ولكنهم يختارون الجبن والمهانة .... شاهدتهم يهربون من العزة كي لا تكلفهم درهماً، وهم يؤدون للذل ديناراً أو قنطاراً، شاهدتهم يرتكبون كل كبيرة ليرضوا صاحب جاه أو سلطان، ويستظلوا بجاهه أو سلطانه، وهم يملكون أن يَرْهَبَهم ذوو الجاه والسلطان! لا ، بل شاهدت شعوباً بأَسْرِها تُشْفِقُ من تكاليف الحرية مرة، فتظل تؤدي ضرائب العبودية مرات، ضرائب لا تُقَاس إليها تكاليف الحرية، ولا تبلغ عُشْرَ مِعْشَارِها، وقديماً قالت اليهود لنبيها {يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة : 24] فأَدَّتْ ثمن هذا النكول عن تكاليف العزة أربعين سنة تتيه في الصحراء، تأكلها الرمال، وتذلها الغربة، وتشردها المخاوف.... وما كانت لتؤدي معشار هذا كله ثمناً للعزة والنصر في عالم الرجال.

إنه لابد من ضريبة يؤديها الأفراد، وتؤديها الجماعات، وتؤديها الشعوب، فإما أن تؤدى هذه الضريبة للعزة والكرامة والحرية، وإما أن تؤدى للذلة والمهانة والعبودية، والتجارب كلها تنطق بهذه الحقيقة التي لا مفر منها، ولا فكاك.

فإلى الذين يَفْرَقُونَ من تكاليف الحرية، إلى الذين يخشون عاقبة الكرامة، إلى الذين يمرِّغُون خدودهم تحت مواطئ الأقدام، إلى الذين يخونون أماناتهم، ويخونون كراماتهم، ويخونون إنسانيتهم، ويخونون التضحيات العظيمة التي بذلتها أمتهم لتتحرر وتتخلص.

إلى هؤلاء جميعاً أوجه الدعوة أن ينظروا في عبر التاريخ، وفي عبر الواقع القريب، وأن يتدبروا الأمثلة المتكررة التي تشهد بأن ضريبة الذل أفدح من ضريبة الكرامة، وأن تكاليف الحرية أقل من تكاليف العبودية، وأن الذين يستعدون للموت توهب لهم الحياة، وأن الذين لا يخشون الفقر يرزقون الكفاية، وأن الذين لا يَرْهَبُون الجاه والسلطان يَرْهَبُهم الجاه والسلطان.

ولدينا أمثلة كثيرة وقريبة على الأذلاء الذين باعوا الضمائر، وخانوا الأمانات، وخذلوا الحق، وتمرغوا في التراب ثم ذهبوا غير مأسوف عليهم من أحد، ملعونين من الله، ملعونين من الناس، وأمثلة كذلك ولو أنها قليلة على الذين يأبون أن يذلوا، ويأبون أن يخونوا، ويأبون أن يبيعوا رجولتهم، وقد عاش من عاش منهم كريماً، ومات من مات منهم كريما.

__________________

المرجع: "ضريبة الذل (يا ليت قومي يعلمون)" مقالة بتاريخ 1952م - الشيخ سيد قطب (ت: 1386هـ  - 1966م) على موقع الدرر السنية http://www.dorar.net/art/764.