الأحد، أبريل ١٢، ٢٠٠٩

أصول الدين ... ما لا يجوز فيه الخلاف

== (مقدمة 1) في القطعي و الظني ==

تنقسم الأدلة السمعية (النقلية؛ و هي نصوص الكتاب و السنة) إلى أربعة أقسام من حيث الثبوت و الدلالة:

1.     قطعي الثبوت قطعي الدلالة، و هي النصوص المتواترة التي لم يختلف في تأويلها، كقوله تعالى: {تلك عشرة كاملة}.

2.     قطعي الثبوت ظني الدلالة، و هي النصوص المتواترة التي يختلف في تأويلها.

3.     ظني الثبوت قطعي الدلالة، و هي أخبار الآحاد ذات المفهوم القطعي.

4.     ظني الثبوت ظني الدلالة، و هي أخبار الآحاد ذات المفهوم ظني.

== (مقدمة 2) في ما يلحق بالقطعي ==

إذا كان الدليل ظني الثبوت، أو ظني الدلالة، أو ظني الثبوت و الدلالة معا، فإن الإجماع في هذه الحال يرفعه من مرتبة الظن إلى مرتبة القطع، لأن الإجماع دليل قطعي من أدلة الأحكام، فكان -الدليل- محتاجا إليه لذلك، لا سيما أن أكثر الأدلة في الشريعة الإسلامية -كما تقدم- من هذا النوع.

بشرط أن لا يكون هناك نص قاطع يعارض ما جاء به الإجماع، سواء من القرآن الكريم أو السنة الشريفة، و لو كان هنالك نص قطعي يعارضه فالإجماع باطل، لأن الإجماع لا ينعقد في معارضة النصوص القطعية، إذ النصوص تأتي في المرتبة الأولى، و الإجماع في المرتبة الثانية بعدها، و لذلك لا يصح في معارضتها...

و كذلك لا ينعقد إجماع في معارضة إجماع سابق، لأن الإجماع حجة قطعية فلا تجوز مخالفته مطلقا، فإذا ما أجمع المسلمون في عصر من العصور على حكم لم يجز عقد إجماع بعدهم على خلافهم، و كل اتفاق على خلاف إجماعهم الأول باطل....

== (مقدمة 3) في مراتب الإجماع القطعي ==

الإجماع العام: أن يكون الحكم الثابت بالإجماع مما هو معلوم من الدين بالضرورة، أي علمه متيسر لكل الناس خاصتهم و عامتهم، كفرضية الصلاة و الحج و الصوم و الزكاة و حرمة الربا و الكذب، و غير ذلك...

و هذا الإجماع العام لا اختلاف في تكفير جاحده لأنه معلوم لكل أحد و لا يحتاج إلى بيان...

الإجماع الخاص: أن يكون الحكم المجمع عليه ليس من المعلوم من الدين بالضرورة، و لكن الإجماع المنعقد عليه قطعي الثبوت، و متفق على صحته بين الفقهاء، بأن يكون إجماعا صريحا، متواترا، لم يستقر فيه خلاف سابق بين الصحابة (لأن إجماع الصحابة الصريح في قولهم و عملهم على حكم معين، محل اتفاق جميع المجتهدين و العلماء، و لم يختلف في حجيته أحد منهم، و لذلك فهو دليل قطعي بإجماعهم)، فـإجماع مَن بعد الصحابة إجماعا صريحا، بالقول أو الفعل، على أمر لم يُـرْوَ فيه خلاف الصحابة - إجماع قطعي أيضا، و هذا النوع يأتي في المرتبة الثانية بعد إجماع الصحابة، و إن كان قطعي الدلالة أيضا..

و هذا الإجماع الخاص حصل اختلاف في تكفير جاحده، لأنه قد يجحده جاهل به، فلا يكفّر إلا بعد البيان...

== (فصل) في تعريف أصول الدين ==

أصول الدين، و أصول الديانة، و الأصول: هي أركان الإيمان و أركان الإسلام، و المسائل القطعية، و ما أجمع عليه الأئمة.

...

فالجماعة هم جماعة أهل السنة، الذين اجتمعوا على الحق، من الاجتماع -و هو ضد الفرقة-، كما أنها تضمنت معنى الاجتماع -أيضاً- و هو الاتفاق و ضده الاختلاف، فأهل السنة موصوفون بالاجتماع على أصول الدين، و الإجماع عليها -أيضاً- و الاجتماع على أئمة الدين و ولاة الأمر.

...

كل أصول الدين بيّنها الرسول بالتفصيل (فهي لذلك توقيفية) و قد أجمع عليها الصحابة و لم يحدث بينهم فيها خلاف ألبتة.

== (فصل) في تصحيح بعض المفاهيم ==

* أصول الدين (العقيدة) هي أركان الدين و قطعياته:

أصول الدين هي كل ما ثبت و صح من الدين، من الأمور الاعتقادية العلمية و العملية و الغيبيات الثابتة بالنصوص الصحيحة.

* أصول الدين ليست محصورة بـ (أركان الإيمان و أركان الإسلام):

أركان الإيمان الستة و أركان الإسلام الخمسة، جاءت مجملة و جاءت مفصلة، و كل ذلك بنصوص قطعية، و كل هذه القطعيات لا بد للمسلم الذي تبلغه أن يعتقدها جملة و تفصيلاً، و لا يشك فيها أو يعارضها، و لا يردها أو يضيق بها.

و هكذا بقية الأركان و أصول الدين و مبانيه لها شروط و أركان و لوازم و تفريعات قطعية، جاءت في قطعيات النصوص (القرآن والسنة) و التزمها السلف الصالح لذلك، لا من عند أنفسهم.

و حصر العقيدة في أركان الإيمان و أركان الإسلام مجردة عن أصولها و شرائطها و أركانها و لوازمها، و عن الأصول و القطعيات الأخرى الثابتة بالنصوص الشرعية مسلك هدَّام، إذ يقوم على تمزيق الدين و تجزئته، و الإيمان ببعض و الكفر بالبعض الآخر.

* أهل السنة والجماعة لا يختلفون في أصل من الأصول:

من سمات أهل السنة و الجماعة، أنهم لا يختلفون و لم يختلفوا في أصل من أصول الدين و قواعد الاعتقاد، فقولهم في مسائل الاعتقاد قول واحد بحمد الله، بخلاف أهل البدع، فإنهم لا يوافقون أهل السنة في كثير من الأصول أو بعضها، كما أنهم لا يتفقون على أصولهم هم، بل كل حزب بما لديهم فرحون، بل إن الفرقة الواحدة منهم لا يتفق أفرادها على أصل كل الاتفاق.

أما عند أهل السنة -بحمد الله-: فهم يتفقون جملة و تفصيلاً أئمتهم و عامتهم على أصول الدين، و ما يقع من بعض أفرادهم من مخالفة للأصول التي اتفقوا عليها فهو خطأ مردود على قائله، مع أن ذلك -بحمد الله- نادر جداً، و النادر لا حكم له...

فاختلاف أهل السنة إنما كان في فرعيات المسائل الملحقة بالعقيدة (فروع العقائد) أو الاجتهاديات من أمور الأحكام (فروع الشرائع)، مما لم يرد به دليل قاطع...

== (فصل) في ما يجوز و ما لا يجوز فيه الخلاف شرعا ==

هناك قضايا شرعية و قواعد دينية انقطع فيها الخلاف و وجب التسليم و هي ـ القطعيات ـ أي الأمور التي ثبتت ثبوتاً قطعياً و أجمع عليها علماء المسلمين: كأركان الإسلام الخمسة و أركان الإيمان الستة و وجوب الإيمان بها، و كعدد الصلوات الخمسة، و عدد ركعاتها، و كتحريم الزنا، و الربا، و الخمر، و قتل النفس التي حرم الله، و كذلك ما أجمع عليه العلماء من قواعد الشرع المعتبرة في أحكامه مثل: لا ضرر و لا ضرار، و الحدود تدرأ بالشبهات، و رفع الحرج، و جلب التيسير و نحو ذلك، فتبين بهذا أن "القطعيات" تكون من الأنواع الثلاثة: العقائد، و الشرائع، و القواعد الأصولية.

فهذه كلها لا اجتهاد فيها و لا مجال للرأي و الخلاف، بل هي أسس و قواعد لهذا الشرع العظيم لا تتغير بتغير الزمان و لا بتغير المكان، و من تردد في التسليم بها أو شك في أمرها فقد شذ عن الملة و شق عصا المسلمين فقوله مردود و خلافه باطل..

أما ما سوى القطعيات من مسائل الشرع و قد يسميها بعضهم "الظنيات" فهي محل للاختلاف و مجال للاجتهاد، تتنوع فيها الأفهام و تختلف الآراء، و قد دعا الشرع إلى إعمال الفكر و استعمال العقل في إدراك معانيها و استخراج أحكامها و عللها و أوجهها و مراميها، و فتح الباب لأهل النظر و الفكر و ذوي العقول و الألباب ليجتهد كل حسب ما أوتي؛ فإن شرعنا العظيم جاء لتحرير العقل من الأغلال التي كان يرزح تحتها و منحبسا في سردابها، و أول قيد حطمه "الجمود و التقليد" فشنع على كل من عطل عقله و أسلم قياده لهما قال تعالى: {لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل} الأعراف ـ 179.

__________________

المرجع: " الموسوعة الفقهية الكويتية" - وزارة الأوقاف و الشئون الإسلامية - الكويت. (باختصار و تصرف يسير).

المرجع: "بحوث في علم الأصول" - للشيخ الدكتور أحمد الحجي الكردي. (باختصار و تصرف يسير).

المرجع: "مباحث في العقيدة" - للشيخ الدكتور ناصر بن عبد الكريم العقل. (باختصار و تصرف يسير).

المرجع: "حراسة العقيدة" - للشيخ الدكتور ناصر بن عبد الكريم العقل. (باختصار و تصرف يسير).

المرجع: "سبع مسائل في علم الخلاف" - للشيخ عبد العزيز القارئ. (باختصار و تصرف يسير).