السبت، أغسطس ٣٠، ٢٠٠٨

حملات "ركاز" .. لتعزيز الأخلاق



مثال راقٍ على التعاون في الخير و الوفاق، و نبذ الفرقة و الشقاق...


في مثل هذه المشاريع الضخمة الفاعلة الهادفة ينبغي أن نجتمع...



الأربعاء، أغسطس ٢٧، ٢٠٠٨

هذا هو الطريق


هذا هو الطريق


لقد بُعث رسول الله-صلى الله عليه وسلم- بهذا الدين، وأخصب بلاد العرب وأغناها ليست في يد العرب، إنما هي في أيدي غيرهم من الأجناس!بلاد الشام كلها في الشمال خاضعة للروم، يحكمها أمراء عرب من قبل الروم، وبلاد اليمن كلها في الجنوب خاضعة للفرس، يحكمها أمراء عرب من قبل الفرس، وليست في أيدي العرب إلا الحجاز تهامة ونجد، وما إليها من الصحاري القاحلة التي تتناثر فيها الواحات الخصبة هنا وهناك!وربما قيل أنه كان باستطاعة محمد -صلى الله عليه وسلم-وهو الصادق الأمين الذي حكَمه أشراف قريش من قبل في وضع الحجر الأسود، وارتضوا حكمه منذ خمسة عشر عاماً قبل الرسالة، والذي هو في الذؤابة من بني هاشم أعلى قريش نسباً.. أنه كان في استطاعته أن يثيرها قومية عربية تستهدف تجميع قبائل العرب التي أكلتها الثارات ومزقتها النزاعات، وتوجيهها وجهة قومية لاستخلاص أرضها المغتصبة من الإمبراطوريات المستعمرة.. الرومان في الشمال والفرس في الجنوب.. وإعلاء راية العربية والعروبة، وإنشاء وحدة قومية في كل أرجاء الجزيرة. وربما قيل: أنه لو دعا رسول الله-صلى الله عليه وسلم- هذه الدعوة لاستجابت له العرب قاطبة، بدلاً من أن يعاني ثلاثة عشر عاماً في اتجاه معارض لأهواء أصحاب السلطان في الجزيرة!وربما قيل: أن محمداً-صلى الله عليه وسلم- كان خليقاً- بعد أن يستجيب له العرب هذه الاستجابة، وبعد أن يولَوه فيهم القيادة والسيادة، وبعد استجماع السلطان في يديه، والمجد فوق مفرقيه-أن يستخدم هذا كله في إقرار عقيدة التوحيد التي بعث بها، في تعبيد الناس لسلطان ربهم بعد أن عبَدهم لسلطانه البشرى!ولكن الله-سبحانه- وهو العليم الحكيم، لم يوجه رسوله- صلى الله عليه وسلم- هذا التوجيه! إنما وجهه إلى أن يصدع بـ (لا اله إلا الله)، وأن يحتمل هو والقلة التي تستجيب له كل هذا العناء!لماذا؟ أن الله-سبحانه- لا يريد أن يعنت رسوله والمؤمنين معه. إنما هو-سبحانه- يعلم أن هذا ليس هو الطريق، ليس الطريق أن تخلص الأرض من يد طاغوت روماني أو طاغوت فارسي، إلى يد طاغوت عربي. فالطاغوت كله طاغوت! إن الأرض لله، ويجب أن تخلص لله. ولا تخلص لله إلا أن ترفع كلمة (لا اله إلا الله). وليس الطريق أن يتحرر الناس في هذه الأرض من طاغوت روماني أو فارسي، إلى طاغوت عربي. فالطاغوت كله طاغوت! أن الناس عبيد لله وحده، ولا يكونون عبيداً لله إلا أن ترتفع راية(لا اله إلا الله)-لا اله إلا الله كما يدركها العربي العارف بمدلولات لغته،: لا حاكمية إلا الله، ولا شريعة إلا من الله، ولا سلطان لأحد على أحد، لأن السلطان كله لله، ولأن( الجنسية) التي يريدها الإسلام للناس هي جنسية العقيدة، التي يتساوى فيها العربي والروماني والفارسي وسائر الأجناس والألوان تحت راية الله. وهذا هو الطريق.. ***وبعث رسول الله-صلى الله عليه وسلم-بهذا الدين، والمجتمع العربي كأسوأ ما يكون المجتمع توزيعاً للثروة والعدالة. قلة قليلة تملك المال والتجارة، وتتعامل بالربا فتتضاعف تجارتها ومالها. وكثرة كثيرة لا تملك إلا الشظف والجوع. والذين يملكون الثروة يملكون معها الشرف والمكانة، وجماهير كثيرة ضائعة من المال والمجد جميعاً! وربما قيل: أنه كان في استطاعة محمد-صلى الله عليه وسلم- أن يرفعها راية اجتماعية، وأن يثيرها حرباً على طبقة الأشراف، وأن يطلقها دعوة تستهدف تعديل الأوضاع، ورد أموال الأغنياء على الفقراء! وربما قيل: أنه لو دعا يومها رسول الله-صلى الله عليه وسلم-هذه الدعوة، لانقسم المجتمع العربي صفين: الكثرة الغالبة مع الدعوة الجديدة في وجه طغيان المال والشرف والجاه، والقلة القليلة مع هذه الموروثات، بدلاً من أن يقف المجتمع كله صفاً في وجه (لا اله إلا الله) التي لم يرتفع إلى أفقها في ذلك الحين إلا الأفذاذ من الناس! وربما قيل: أن محمداً-صلى الله عليه وسلم-كان خليقاً بعد أن تستجيب له الكثرة، وتوليه قيادها، فيغلب بها القلة ويسلس له مقادها، أن يستخدم مكانه يومئذ وسلطانه في إقرار عقيدة التوحيد التي بعثه بها ربه، وفي تعبيد الناس لسلطان ربهم بعد أن عبَدهم لسلطانه البشرى! لكن الله-سبحانه- وهو العليم الحكيم، لم يوجهه هذا التوجيه.. لقد كان الله-سبحانه- يعلم أن هذا ليس هو الطريق.. كان يعلم أن العدالة الاجتماعية لابد أن تنبثق في المجتمع من تصور اعتقادي شامل، يرد الأمر كله لله، ويقبل عن رضى وعن طواعية ما يقضي به الله من عدالة التوزيع، ومن تكافل الجميع، ويستقر معه في قلب الآخذ والمأخوذ منه سواء أنه ينفذ نظاماً شرعه الله، ويرجوا على الطاعة فيه الخير والحسنى في الدنيا والآخرة سواء. فلا تمتلئ قلوب بالطمع ولا تمتلئ قلوب بالحقد، ولا تسير الأمور كلها بالسيف والعصا وبالتخويف والإرهاب! ولا تفسد القلوب كلها وتختنق الأرواح، كما يقع في الأوضاع التي تقوم على غير(لا اله إلا الله). ***وبُعث رسول الله-صلى الله عليه وسلم-والمستوى الأخلاقي في الجزيرة العربية في الدرك الأسفل في جوانب منه شتى- إلى جانب ما كان في المجتمع من فضائل الخامة البدوية. كان التظالم فاشيا في المجتمع، تعبر عنه حكمة الشاعر (زهير بن أبي سلمى): ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه *** يهدَّم ومن لا يظلم الناس يُظلمِويعبر عن القول المتعارف في الجاهلية انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً.وكانت الخمر والميسر من تقاليد المجتمع الفاشية، ومن مفاخره كذلك يعبر عن هذه الخصلة الشعر الجاهلي بجملته.. كالذي يقول طرفة بن العبد: فلولا ثلاث هن من عيشة الفتى*** وجدَك لم أحفل متى قام عوَّديفمنهن سبقى العاذلات بشـربة *** كـميت متى ما تعل بالماء تزبدوما زال تشاربي الخـمور ولذتي *** وبذلي وإنفاقي طريقي وتالديإلى أن تحامتنى العشـيرة كلهـا *** وأفردت إفأـراد البعـيـــر المـعبًّــدوكانت الدعارة- في صور شتى- من معالم هذا المجتمع- شأنه شأن كل مجتمع جاهلي قديم أو حديث- كالتي روته عائشة رضي الله عنها:(أن النكاح في الجاهلية كان على أربع أنحاء: فنكاح منها نكاح الناس اليوم.. يخطب الرجل إلى الرجل وليَته او ابنته، فيصدقها ثم ينكحها.. والنكاح الآخر كان الرجل يقول لامرأته- إذا طهرت من طمثها: أرسلي إلى فلان فاستبعضي منه، ويعتزلها زوجها ولا يمسها ابدً حتى يتبين حملها من ذلك الذي تستبضع منه، فإذا تبين حملها أصابها الرجل إذا أحب، وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد! فكان هذا النكاح نكاح الاستبضاع.. ونكاح آخر: يجتمع الرهط ما دون العشرة فيدخلون على المرأة، كلهم يصيبها. فإذا حملت ووضعت، ومر عليها ليال بعد أن تضع حملها، أرسلت إليهم فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع، حتى يجتمعوا عندها، تقول لهم: قد عرفتم الذي كان من أمركم، وقد ولدت فهو ابنك يا فلان، تسمى من أحبت باسمه فيلحق به ولدها، ولا يستطيع أن يمتنع به الرجل.. والنكاح الرابع: يجتمع الناس الكثير فيدخلون على المرأة لا تمتنع من جاءها .. وهن البغايا.. كن ينصبن على أبوابهن رايات تكون علماً، فمن أرادهن دخل عليهن، فإذا حملت إحداهن ووضعت حملها، جمعوا لها ودعوا لهم القافة، ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون، فالتاطه، ودعى ابنه لا يمتنع عن ذلك)( ).وربما قيل: أنه كان قي استطاعة محمد-صلى الله عليه وسلم- أن يعلنها دعوة إصلاحية، تتناول تقويم الأخلاق، وتطهير المجتمع، وتزكية النفوس.وربما قيل: أنه-صلى الله عليه وسلم- كان واجداً وقتها- كما يجد كل مصلح أخلاقي في أية بيئة- نفوساً طيبة يؤذيها هذا الدنس.وتأخذها الأريحية والنخوة لتلبية دعوة الإصلاح والتطهير.وربما قال قائل: أنه لو صنع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ذلك لاستجابت له- في أول الأمر- جمهرة صالحة، تتطهر أخلاقها، وتزكوا أرواحها، فتصبح أقرب إلى قبول العقيدة وحملها، بدلاً من أن تثير دعوة(لا اله إلا الله) المعارضة القوية منذ أول الطريق. ولكن الله- سبحانه- كان يعلم أن ليس هذا هو الطريق! كان يعلم أن الأخلاق لا تقوم على أساس من عقيدة، تضع الموازين، وتقرر القيم، كما تقرر السلطة التي تستند إليها هذه الموازين والقيم، والجزاء الذي تملكه هذه السلطة، وتوقعه على الملتزمين والمخالفين. وأنه قبل تقرير هذه العقيدة، وتحديد هذه السلطة تظل القيم كلها متأرجحة وتظل الأخلاق التي تقوم عليها متأرجحة كذلك، بلا ضابط، وبلا سلطان، وبلا جزاء! فلما تقررت العقيدة-بعد الشاق- وتقررت السلطة التي ترتكن إليها هذه العقيدة.. لما عرف الناس ربهم وعبدوه وحده.. لما تحرر الناس من سلطان العبيد ومن سلطان الشهوات سواء.. لما تقررت في القلوب (لا اله إلا الله).. صنع الله بها وبأهلها كل شيء مما يقترحه المقترحون.. تطهرت الأرض من (الرومان والفرس).. لا ليتقرر فيها سلطان (العرب). ولكن ليتقرر فيها سلطان (الله).. لقد تطهرت من سلطان (الطاغوت) كله.. رومانياً، وفارسياً، وعربياً، على السواء. وتطهر المجتمع من الظلم الاجتماعي بجملته. وقام (النظام الإسلامي)، يعدل بعدل الله، ويزن بميزان الله، ويرفع راية العدالة الاجتماعية باسم الله وحده، ويسميها راية (الإسلام). لا يقرن إليها اسماً آخر، ويكتب عليها: (لا اله إلا الله)!وتطهرت النفوس والأخلاق، وزكت القلوب والأرواح، دون أن يحتاج الأمر حتى للحدود والتعازير التي شرعها الله- إلا في الندرة النادرة- لأن الرقابة قامت هناك في الضمائر، ولأن الطمع في رضا الله وثوابه، والحياة والخوف من غضبه وعقابه، قد قاما مقام الرقابة ومكان العقوبات. وارتفعت البشرية في نظامها، وفي أخلاقها، وفي حياتها كلها، إلى القمة السامقة التي لم ترتفع إليها من قبل قط، والتي لم ترتفع إليها من بعد إلا في ظل الإسلام. ولقد تم هذا كله لأن الذين أقاموا هذا الدين في صورة دولة ونظام وشرائع وإحكام، كانوا قد أقاموا هذا الدين من قبل في ضمائرهم وفي حياتهم، في صورة عقيدة وخلق وعبادة وسلوك. وكانوا قد وعدوا على إقامة هذا الدين وعداً واحداً، لا يدخل فيه الغلب والسلطان.. ولا حتى بهذا الدين على أيديهم.. وعداً واحداً لا يتعلق بشيء في هذه الدنيا.. وعداً واحداً هو الجنة. هذا كل وعدوه على الجهاد المضني، والابتلاء الشاق، والمضي في الدعوة، ومواجهة الجاهلية بالأمر الذي يكرهه أصحاب السلطان في كل زمان وفي كل مكان، وهو: ( لا إله إلا الله)! فلما أن ابتلاهم الله فصبروا، ولما أن فرغت نفوسهم من حظ نفوسهم، ولما أن علم الله منهم أنهم لا ينتظرون جزاء في هذه الأرض- كائناً ما كان هذا الجزاء، ولو كان هو انتصار هذه الدعوة على أيديهم، وقيام هذا الدين في الأرض بجهدهم- ولما لم يعد في نفوسهم اعتزاز بجد ولا قوم، ولا اعتزاز بوطن ولا أرض، ولا اعتزاز بعشيرة ولا بيت.. لما أن علم الله منهم ذلك كله، علم أنهم قد أصبحوا- إذن- أمناء على هذه الأمانة الكبرى.. أمناء على العقيدة، التي يتفرد فيها الله- سبحانه- بالحاكمية في القلوب والضمائر، وفي السلوك والشعائر، وفي الأرواح والأموال، وفي الأوضاع والأحوال.. وأمناء على السلطان الذي يوضع في أيديهم ليقوموا به على شريعة الله ينفذونها، وعلى عدل الله يقيمونه، دون أن يكون لهم من ذلك السلطان شيء لأنفسهم، ولا لعشيرتهم، ولا لقومهم، ولا لجنسهم. إنما يكون السلطان الذي في أيديهم لله، ولدينه وشريعته، لأنهم يعلمون أنه من الله، هو الذي آتاهم إياه. ولم يكن شيء من هذا المنهج المبارك ليتحقق على هذا المستوى الرفيع، إلا أن تبدأ الدعوة ذلك البدء. وإلا أن ترفع الدعوة هذه الراية وحدها.. راية لا اله إلا الله.. ولا ترفع معها سواها. وإلا أن تسلك الدعوة هذا الطريق الوعر الشاق في ظاهره، المبارك الميسر في حقيقته. وما كان هذا المنهج المبارك ليخلص لله، لو أن الدعوة بدأت خطواتها الأولى دعوة قومية، أو دعوة اجتماعية، أو دعوة أخلاقية.. أو رفعت أي شعار بجانب شعارها الواحد: (لا اله إلا الله). ذلك شأن القرآن المكي كله في تقرير: (لا اله إلا الله) في القلوب والعقول، واختيار هذا الطريق-على مشقته في الظاهر- وعدم اختيار السبل الجانبية الأخرى، والإصرار على هذا الطريق.من كتاب معالم في الطريق للأستاذ / سيد قطب

الثلاثاء، أغسطس ٢٦، ٢٠٠٨

العواطف والضوابط

علي بن عمر بادحدح

أضيفت بتاريخ : 03 - 08 - 2003 نقلا عن : خاص بإذاعة طريق الإسلام


بين جوانح كل مؤمن قلب غيور ونفس أبية، وفي صدر كل مسلم حماسة إيمانية وحمية إسلامية، وما من شك أن مآسي المسلمين تدمي القلوب ألما، وتعتصر النفوس أسى، وتمور المشاعر وتجيش العواطف ويتقد الحماس وهنا إما أن تطلق هذه العواطف لتحدث العواصف والقواصف، لا تلوي على شيء ولا تفكر في عاقبة ولا ترعوي عن حرمة، وإما أن تبالغ في تصور العوائق، وتضخيم العواقب، فترتد عاجزة محبطة قد امتلأت يأسا يئد حيويتها، ويضعف قدرتها، ويصرفها عن الانشغال بأحوال الأمة والإسهام في نصرتها .إنه لا بد من الإقرار بأن العواطف طبيعة وفطرة بشرية، وأنها في الوقت نفسه عامل مؤثر في واقع الحياة الإنسانية سلبا وإيجابا، ولكن المسلم لا يقرر إيقاع أفعاله أو الحكم بصوابها وخطئها من منطلق العاطفة، ولا بمقياس ردود الأفعال، بل هو ملتزم بضوابط الشرع وأحكام الدين، وكل أقواله وأفعاله ينبغي أن تنضبط بأمرين أساسيين أولهما : الحكم الشرعي المستفاد من النصوص والمقاصد والقواعد الشرعية، وثانيهما : مراعاة المصالح والمفاسد عند تنـزيل الأحكام الشرعية على الأحوال والحوادث الآنية والواقعية، وكلا الأمرين لا يلغي العاطفة بل يضبطها ، ولا يمنعها بل يوجهها .هناك من يطلقون العنان لعواطفهم، ويسلمون القياد لحماستهم، فيندفعون بلا روية، ويواجهون بلا حكمة، ويغيرون بلا تدرج، وينكرون بلا تفقه، إلى هؤلاء أقول تذكروا قول الحق تعالى:{ أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب }، وأسوق لهم حديث خباب رضي الله عنه يوم اشتد عليه العذاب فشكا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم الشفيق الرحيم فذكره بمن كان أشد منه عذابا ثم قال:" والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون".وأذكرهم بما أمر به المصطفى صلى الله عليه وسلم في الفترة المكية رغم شدة الأذى وضغط الاستفزاز :{ واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا }، ولا ينبغي الإسراع والاندفاع بدون الحكمة والانضباط، إذ ربما يكون ذلك استفزازا من الأعداء واستدراجا من المتربصين:{ فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون}، وفي يوم بيعة العقبة الثانية قال العباس بن عبادة بن نضلة:" والذي بعثك بالحق إن شئت لنميلن على أهل منى غدا بأسيافنا" فقال عليه الصلاة والسلام:" لم نؤمر بذلك"، وهنا يرد ذكر قوله تعالى:{ ألم تر الذي قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا }.ولعل مما يرد في المقام موقف الفاروق عمر بن الخطاب ; يوم صلح الحديبية حيث تحركت غيرته، وهاجت حميته، وزادت حماسته وجاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: يارسول الله ألست برسول الله ؟ قال: بلى، قال: أولسنا بمسلمين ؟ قال : بلى، قال: أو ليسوا بمشركين ؟ قال: بلى، قال : فعلام نعطي الدنية في ديننا ؟ قال: أنا عبدالله ورسول الله لن أخالف أمره ولن يضيعني ، قال عمر: ما زلت أتصدق وأصوم وأصلي وأعتق من الذي صنعت يومئذ مخافة من كلامي الذي تكلمت به، حتى رجوت أن يكون خيرا"، وهذه هي الطريق حماسة وحمية لكن تضبطها مرجعية منهجية .وربما يكون هناك ما يستفز ويزعج من تسلط الأعداء أو تفلت الأولياء، ولابد من تأثر لذلك وتغير، ولابد من صد ومنع، ولابد من عمل وإصلاح، وذلك مطلب فيه تصديق للإيمان، وإظهار لآثاره ولكن مراعاة المصالح والمفاسد، واعتبار المآلات والمقاصد، وقبل ذلك التزام التشريعات والأحكام يضبط العاطفة ولا يمنعها، ويحقق الفائدة ولا يضيعها، وكثيرا ما تكون العاطفة دافعة إلى مراعاة الأمور الصغيرة والوقوف عندها على حساب ما هو أكبر منها، ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية أمر الكاتب أن يكتب بسم الله الرحمن الرحيم، فاعترض سهيل بن عمرو (ممثل قريش) وقال: لا أعرف هذا ولكن اكتب باسمك اللهم، ولما قال الرسول صلى الله عليه وسلم : « هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو » ، قال: لو شهدت أنك رسول الله لم أقاتلك، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك ! وفي كل مرة كان المسلمون والكاتب علي بن أبي طالب رضي الله عنه يرفضون ويرون ذلك مجحفا لهم ومنقصا لمكانتهم ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم قبل تجاوز هذه الأمور والشكليات العارضة لنظره إلى ما هو أعلى وأسمى.وأحيانا تدفع العاطفة لقطف الثمرة القليلة العاجلة، ولا يكون لديها القدرة على الأناة والصبر للعمل والدأب من أجل الثمرة العظيمة الآجلة، ولو كان ضبط لما كان ذلك، فهذا حذيفة بن اليمان رضي الله عنه يوم الأحزاب يدخل معسكر المشركين بتكليف محدد من النبي صلى الله عليه وسلم وهو استجلاء ومعرفة الأخبار، ومع تحذير من إحداث أي فعل، وهاهو حذيفة يخبرنا فيقول:" لولا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أحدث شيئا، ثم شئت أن أقتل أبا سفيان لقتلته بسهم"، نعم لقد كان أمام عينه وفي متناول يده وهو – يومئذ – رأس الكفر، وقائد الجيش، ولكنها الضوابط التي تلتزم، والمصالح التي ترتجى، توجهه وترشده، بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف في عمرة القضاء في العام السابع وحول الكعبة ثلاثمائة و ستون صنما، ما عابها ولا شتمها ولا بصق عليها، وهو – قطعا- منكر لها وراغب في هدمها وإزالتها، ولكن الأوان لم يحن بعد، وفي فتح مكة بعد عام واحد فقط، أسقطها واحدا واحدا وهو يتلو :{ وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا }.إن الذي لا عاطفة عنده، ولا غيرة لديه، ولا حمية بين جنبيه عنده في إيمانه نقص وضعف ولا يرجى منه حركة وعمل، وندعوه لأن يراجع نفسه، ويعالج ضعفه، وذو العاطفة الجياشة نشكره وندعوه إلى ترشيدها في ضوء الشرع وضبطها بمراعاة المصلحة، ومسك الختام هذه الكلمات المشرقة للداعية الفذ الأستاذ البنا رحمه الله:" ألجموا نزوات العواطف بنظرات العقول، وأنيروا أشعة العقول بلهب العواطف ".

الخميس، يوليو ٠٣، ٢٠٠٨

عن اختلاف الجماعات...

لا يزعجني أن يكون في الصحوة مدارس أو فصائل أو جماعات لكل منها منهجه في خدمة الإسلام، و العمل على التمكين له في الأرض، وفقا لتحديد الأهداف و ترتيبها، و تحديد الوسائل و مراحلها، و الثقة بالقائمين على تنفيذها من حيث القوة و الأمانة، أو الكفاية و الإخلاص.

و من السذاجة بحيث أدعو إلى جماعة أو حركة واحدة، تضم جميع العاملين للإسلام في نظام واحد، و تحت قيادة واحدة، فهذا تقف دونه حوائل شتى، و هو طمع في غير مطمع.

و قد ذكرت في أكثر من بحث لي أنه لا مانع أن تتعدد الفصائل و الجماعات العاملة لنصرة الإسلام، إذا كان تعدد تنوع و تخصص، لا تعدد تعارض و تناقض..على أن يتم بين الجميع قدر من التعاون و التنسيق، حتى يكمل بعضهم بعضا.. و يشد بعضهم أزر بعض، و أن يقفوا في القضايا المصيرية، و الهموم المشتركة، صفا واحدا كأنهم بنيان مرصوص.

....

والحق أن الاختلاف في ذاته ليس خطرا، و خصوصا في مسائل الفروع، و بعض الأصول غير الأساسية، إنما الخطر في التفرق و التعادي الذي حذر الله و رسوله منه.

لهذا كانت الصحوة الإسلامية و الحركة الإسلامية بمختلف اتجاهاتها و مدارسها في حاجة إلى وعي عميق بما نسميه (فقه الاختلاف).

و هو أحد أنواع خمسة من الفقه ينبغي التركيز عليها، لأننا أحوج ما نكون إليها، و هي:

1. فقه المقاصد:

الذي لا يقف عند جزئيات الشريعة و مفرداتها وحدها، بل ينفذ منها إلى كلياتها و أهدافها في كل جوانب الحياة و استكمال الشوط الذي قام به الإمام الشاطبي في (موافقاته) و إبراز العناية بالمقاصد الاجتماعية خاصة.

2. فقه الأولويات و مراتب الأعمال:

و كنت نبهت عليه في كتابي "الصحوة الإسلامية بين الجحود و التطرف" و لا زال يحتاج إلى مزيد من التعميق و التأصيل و التفصيل و التطبيق على الواقع.

3. فقه السنن:

أعني القوانين الكونية و الاجتماعية التي أقام الله عليها عالمنا هذا، و قضى بأنها لا تتبدل و لا تتحول مثل سنن: التغيير و النصر و التدرج.. و غيرها.

4. فقه الموازنة بين المصالح و المفاسد:

و هو مبني على فقه الواقع و دراسته دراسة علمية مبنية على ما يسره لنا عصرنا من معلومات و إمكانات، لم يكن يحلم بها بشر، سواء واقعنا و واقع الآخرين، بعيدا عن التهوين و التهويل.

5. فقه الاختلاف:

الذي عرفه خير قرون الأمة من الصحابة و التابعين و أئمة الهدى، فلم يضرهم الاختلاف العلمي شيئا، و جهلناه فأصبحنا يعادي بعضنا بعضا، بسبب مسائل يسيرة، أو بغير سبب!!

__________________

المرجع: الصحوة الإسلامية بين الاختلاف المشروع والتفرق المذموم - للشيخ الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي. (باختصار و تصرف يسير)

______________________________________________________

السؤال:

كما تعرفون فإن الساحة تعج بعدد من الجماعات والحركات الاسلامية, ولكن أيها على صواب وأيها على خطأ؟ فكل واحدة منهم تدعي أنها الصواب وأن عند غيرهم بعض من الأخطاء.
فأرجو منكم أن توضحوا لي الصورة لأكون على دراية بأمر هام من ديني و بأي طريق أسير؟
و من ناحية أخرى لم كل هذه التفرعات؟ و هل هذه الجماعات هي التي ذكرها الرسول عليه الصلاة والسلام؟

المفتي:

حامد بن عبد الله العلي

الجواب:

هــــــنـــــــا

الأحد، يونيو ١٥، ٢٠٠٨

ندوة الخلاف


السبت، مايو ١٧، ٢٠٠٨

هل الاختلاف نوع واحد و في مستوى واحد؟

المستوى الأول...

الاختلاف بين الحق و الباطل، و أهل الحق و أهل الباطل:

...الله تعالى يقيم الدلائل على الحق، يقيم المعالم التي يهتدي بها المهتدون، ينصر أولياءه و ينجيهم مع قلتهم و ضعفهم، و يخذل أعداءه و يخزيهم و ينزل بهم النكبات على كثرتهم، و في هذا تبصير للمستبصرين كما قال سبحانه: (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ) (الأنفال: 42).

جاءت هذه الآية في قصة بدر، فبنصره تعالى لنبيه و المؤمنين و هم قلة على أعدائهم، و هم كثرة و ذو عُدة و هالة، فيه آية يهتدي بها الموفقون، و يعمي عنها المعرضون الهالكون.

هذا الاختلاف هو اختلاف تضاد، يُحْمَد فيه أحد الفريقين و يَُذَم الفريق الآخر.

المستوى الثاني...

الاختلاف بين ملل الكفر و طرق الضلال:

ثُمَّ إنَّ أعداءَ الرسل بينهم اختلافات و لكن هذه الاختلافات لا يخرجون بها عن دائرة الضلال و الشقاء، قال تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ) (البقرة:176)، و قال تعالى: (إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ، يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ) (الذريات:8،9).

كل هؤلاء المختلفين على باطل...

هذا الاختلاف لا يخرجها عن الذم، فكلها باطلة، و كلها مذمومة، و كلها سبل ضلالٍ، و إن كان بعضها أبعد عن الحق من بعض، فتكتسبُ مزيداً من الذم، و مزيداً من سوءِ المصير.

المستوى الثالث...

الاختلاف الخطير بين المنتسبين للإسلام (بين أهل السنة و الجماعة و غيرهم):

أما الداخلون في دائرة دين الرسل - في دائرة الإسلام - هؤلاءِ يجري بينهم اختلافات – باستبعاد المنافـقين الذين يبطنون الكفر -...

فالمؤمنون المسلمون الذين معهم أصل الإسلام، هؤلاءِ أيضاً يجري بينهم الاختلاف، و الاختلاف المعتبر هو الخلاف الذي يكون بين أهل العلم.

هذه الاختلافات منشؤها التفاوت في الاعتصام بكتاب الله و سنة رسوله- صلى الله عليه وسلم-، فكثيرٌ من المسلمين قد فرطوا في هذا الواجب، فتخبطوا في الظلمات، و تلقفتهم أيادي الأعداء من شياطين الإنس و الجن، فتدينوا بما لم يشرع الله، و اعتقدوا ما لم ينزل الله به من سلطان، و هذا يصدق على فرق الأمة، أهل الأهواء الذين ابتدعوا بدعاً اتخذوها ديناً: بدعاً اعتقادية، أو بدعاً عمليةً، فهم مختلفون فيما بينهم، و هم أيضاً مخالفون لأهل السنة و الجماعة...

هذا الاختلاف الخطير بين المنتسبين للإسلام جارٍ و دلّ عليه القرآن الكريم و السنة:

فالله أخبر عن افتراق الأمم الماضية كما في قوله تعالى: (وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ) (الشورى: من الآية14)، و قوله: (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (آل عمران:105).و قوله: (وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) (البينة:4).

و الرسول أخبر عن ذلك كما في قوله - صلى الله عليه وسلم-: (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة) (أخرجه البخاري و غيره)، و أخبر به- صلى الله عليه وسلم- في الحديث المشهور الذي قال فيه: (افترقت اليهود على إحدى و سبعين فرقة، و افترقت النصارى على اثنتين و سبعين فرقة، و ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة) قيل: من هي يا رسول الله ؟ قال: (هي الجماعة) (صحت هذه الرواية من حديث عدة من الصحابة، وحديث الافتراق حديث صحيح رواة أكثر من ثلاثة عشر صحابياً، راجع السنة لابن أبي عاصم (1/32- 36) والشريعة للآجري (14-18) والسنة للآلكائي (99 - 104) والإنابة لابن بطة (1/366) والحجة للأصبهاني (1/ 106) فقد عقد هؤلاء باباً لذكر هذا الخبر وطرقه وتكلموا على متنه، وكذا أجاد الزبيري في تخريج هذا الحديث في تخريجه لإحياء علوم الدين فراجعه (النسخة المستخرجة 2982)

هذا الاختلاف هو اختلاف تضاد، و الحق فيه دائماً مع أهل السنة، فأهل السنة في الأمة المسلمة، كالأمة المسلمة في سائر الأمم، الحق كله في الأمة المسلمة، ثم إنَّ الحق كله و الصواب كله مع أهل السنة.

و كل من خالف أهل السنة في أمرٍ فهو منحرف عن الصراط المستقيم بقدر هذه المخالفة، كمّاً و كيفاً، فهذه الفرق بعضها أبعد عن الحق من بعض، و بعضها أقرب من بعض.

المستوى الرابع...

الاختلاف بين أهل السنة و الجماعة و بعضهم:

ثم إن أهل السنة أيضاً يقع بينهم اختلافات، و لكن مع الفرق بين اختلاف أهل السنة فيما بينهم و اختلافهم مع غيرهم، و اختلاف غيرهم بعضهم مع بعض...

فأهل السنة إن اختلفوا في شيء فإنه لا يكون في مسائل الاعتقاد ألبتة إلا في مسائل جزئية قليلة، و إنما اختلافهم في المسائل العملية...

هذا الاختلاف الذي وقع بين الصحابة و بين أتباعهم من أهل السنة و الجماعة نوعان:

النوع الأول: اختلاف تنوع، و ضابطه أنَّ كلاً من المختلفين مصيب.

... كما اختلف الصحابة في عهده- صلى الله عليه وسلم- في فهم قوله: (لا يصلينَّ أحد منكم العصر إلاَّ في بني قريظة) (أخرجه البخاري)

فصلى بعضهم في الطريق، و بعضهم آخر الصلاة - صلاة العصر - حتى جاء إلى بني قريظة، وقد يقال: إنَّ هذا من اختلاف التضاد الذي لم يبين فيه المصيب، لكن كل من المختلفين محمود لأنَّهُ اجتهد، فإنَّ اختلافَ التنوع كل من المختلفين فيه مصيب، وكل منهما محمود، ولعل المثال البيّن لهذا هو الاختلاف في القراءات من اختلاف التنوع، وكالاختلاف فيما أقرَّ الله عباده عليه من تصرفاتهم، كما في قوله تعالى: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ) (الحشر:5).فهذا كله اختلاف تنوع لا يُذم فيه أحد من المختلفين، بل كل من المختلفين محمود، وكل من المختلفين على حق، وهؤلاءِ إنما يُؤتون إذا بغى بعضهم على بعض، وأنكر بعضهم ما عند الآخر، مع أنَّ كلاً منهما على الحق وكل منهما مصيب.

النوع الثاني: اختلاف تضاد، و هو نوعان:

الأول: اختلاف قام الدليل على تصويب أحد المذهبين، فهذا القولُ الذي وافق الدليل هو الحق و ما خالفه خطأ، و لكن حيث كان المختلفون مجتهدين فكل منهما محمود و مأجور، - و إن كان أحد من المختلِفين أو المختلفَين أفضل من الآخر.

الثاني: اختلاف لا يتبين فيه الصواب، و ليس هناك دليل يعتمدُ عليه لواحد من المذهبين، بل يكون منشأ القولين هو محض الاجتهاد، فهذا الاختلاف الذي إذا لم يعارض دليلاً شرعياً، و لم يُبْن أحد القولين على دليلٍ يعيّن أنه هو الصواب، فيبقى القولان سائغين، و كل من المختلفين محمود مأجور على اجتهادهِ، و الله أعلم بالصواب.

الخلاصة...

و بعد هذا العرض لتنوع الاختلاف، فيجبُ على المسلمِ أن يعتصم بحبل الله، فيتمسكُ بكتاب الله تعالى و سنة رسوله- صلى الله عليه وسلم- في العلم و في العمل، و في الحكم بين الناس، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً) (النساء:58). و قال تعالى: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا) (الأنعام: من الآية152).

__________________

المرجع: موقف المُسلم مِن الخلاف - للشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك تحقيق عبد الله عائض القحطاني. (باختصار و تصرف يسير)

الخميس، مايو ٠١، ٢٠٠٨

هل الاختلاف قدر لا بد منه؟ و هل الاختلاف رحمة و خير، أم عذاب و شر؟

هل الاختلاف قدر لا بد منه؟

الاختلاف سنة كونية و قدر واقع لا محالة بمشيئة الله الكونية، قال الله تعالى: {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين * إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين}.

...

و القدر الكوني إن كان شرا فيجب أن يسعى الإنسان للخروج منه و عدم الوقوع فيه، كالكفر فهو قدر كوني حكم الله بوجوده كوناً، و مع ذلك واجب على كل إنسان أن يجتنبه وكذلك المعاصي، وكل ذلك مقدر شاء الله وقوعه كونا بناء على علمه باختيار الإنسان، فالله عز وجل وهب خلقه مشيئة و اختيارا خاضعة لمشيئة الله مع علمه باختيارهم و كتابته له و تقدير كونه منهم.

...

فالخلاف قد يكون قدرا كونيا فيه شر، و لا يخلو من خير -فالله لا يخلق شرا محضا-، فلا يستسلم له العبد بل يقاومه بالقدر، فإن لم يُـزِلْـه خـَفّـف من آثاره و خرج بأقل أضراره.

*****

*******

*****

هل الاختلاف رحمة و خير، أم عذاب و شر؟

"رويت في ذلك أحاديث لا تـثـبـت مثل:

حديث «أصحابي كالنجوم فبأيهم اقتديتم اهتديتم» (نقل الإمام ابن تيميه تضعيفه عن الأئمة في منهاج السنة 4 / 238، وقال الحافظ العراقي في مختصر المنهاج: إسناده ضعيف من أجل حمزة فقد اتهم بالكذب ص55، وقد حكم الألباني بوضعه في غير موضع انظر الضعيفة 58)

و حديث « اختلاف أمتي رحمة» (ذكر الألباني أنه موضوع لا سند له انظر ضعيف الجامع 230، وبداية السول ص19، وقد ذكر الحافظ العراقي أثر: اختلاف أصحابي لأمتي رحمة وحكم بأنه مرسل ضعيف، مختصر المنهاج ص60)

...

و مع عدم ثبوت نص، تباينت أقوال السلف في المسألة مثل:

عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: ما أحب أن أصحاب رسول الله لم يختلفوا؛ لأنه لو كان قولا واحدا كان الناس في ضيق، و أنهم أئمة يقتدى بهم، فلو أخذ أحد بقول رجل منهم كان في سعة.

و عن يحيى بن سعيد أنه قال: اختلاف أهل العلم توسعة، و ما برح المفتون يختلفون، فيحلل هذا و يحرم هذا، فلا يعيب هذا على هذا، و لا هذا على هذا.

و قال ابن عابدين: الاختلاف بين المجتهدين في الفروع - لا مطلق الاختلاف - من آثار الرحمة فإن اختلافهم توسعة للناس. قال: فمهما كان الاختلاف أكثر كانت الرحمة أوفر.

...

و هذه القاعدة ليست متفقا عليها...

...

فقد روى ابن وهب عن إمام دار الهجرة مالك بن أنس أنه قال: ليس في اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سعة، و إنما الحق في واحد.

وقال المزني صاحب الشافعي: ذم الله الاختلاف و أمر بالرجوع عنده إلى الكتاب و السنة.

...

و توسط ابن تيمية بين الاتجاهين، فرأى أن الاختلاف قد يكون رحمة، و قد يكون عذابا.

قال: النزاع في الأحكام قد يكون رحمة إذا لم يفضِ إلى شر عظيم من خفاء الحكم، و الحق في نفس الأمر واحد، و قد يكون خفاؤه على المكلف - لما في ظهوره من الشدة عليه - من رحمة الله به، فيكون من باب {لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم}، و هكذا ما يوجد في الأسواق من الطعام و الثياب قد يكون في نفس الأمر مغصوبا، فإذا لم يعلم الإنسان بذلك كان كله حلالا لا شيء عليه فيه بحال، بخلاف ما إذا علم. فخفاء العلم بما يوجب الشدة قد يكون رحمة، كما أن خفاء العلم بما يوجب الرخصة قد يكون عقوبة، كما أن رفع الشك قد يكون رحمة و قد يكون عقوبة، و الرخصة رحمة، و قد يكون مكروه النفس أنفع كما في الجهاد". (الموسوعة الفقهية 2 / 295-296 بتصرف يسير)

__________________

المرجع: الاختلاف في العمل الإسلامي: الأسباب والآثار - للشيخ الأستاذ الدكتور ناصر بن سليمان العمر.

الثلاثاء، أبريل ١٥، ٢٠٠٨

اللائحة التنظيمية للمدونة

–تاريخ آخر تعديل 8 ربيع الآخر 1429-

الهدف:

- تكوين خلفية علمية -لمنتسبي الدعوة- في مسائل الخلاف و فقهه و آدابه و أساليب الترجيح.

- عمل سجل يحفظ كل الآراء و الفتاوى المعتبرة بطريقة تسهل إمكانية الرجوع إليها.

- انظر باقي الأهداف.

أقسام التصنيفات:

تصنيف المدونة على العلوم و الأبواب من أهم ما يجب على المشاركين الاهتمام به لأنه يسهل الوصول و الحفظ..

أولا: أقسام الآراء و الفتاوى:

- العقائد و التصورات و المفاهيم.

- الشرائع (فقه أحكام المعاملات).

- الشعائر (فقه أحكام العبادات).

- الرقائق و السلوك و الأخلاق (فقه الدعوة و فقه التربية).

- التاريخ و السير و القصص (فقه الواقع و فقه الموقف).

ثانيا: أقسام عامة:

- عام: لأي تدوينة لا تندرج تحت قسم من الأقسام الرئيسة.

- السير الذاتية و التراجم: (أو روابط لها) لكل العلماء الذين اعتبرت أقوالهم في كل المسائل بالمدونة.

- آداب و أحكام فقه الخلاف.

- أساليب و قواعد الترجيح.

المشاركون:

- المنتسبون للدعوة ذوو الثقافة و الاهتمامات العلمية و إن لم يكونوا طلبة علم شرعي (و إن كان من الأقسط و الأقوم للتحقيق أن ينضم طلبة علم أو دعاة متخصصون) ...

- العوام خارج الموضوع من حيث المشاركة، أما من حيث الاستفادة فهم داخل الموضوع بحسب قدراتهم على استيعاب المسائل.

آلية التنفيذ:

1- إذا توصل أحد المشاركين إلى فتوى/قول في مسألة من المسائل الشائكة يقوم بنقلها كاملة (أو ينقل الخلاصة) دون تصرف منه، مع مراعاة التالي:

كتب في العنوان عنوان الفتوى/القول)، (يكتب في الهامش المصادر و المراجع)، (يضعها تحت قسم من أقسام التصنيفات بالمدونة)...

2- إذا قرأ التدوينة أحد المشاركين و يعرف فتوى/قولا معتبرا مختلفا في المسألة فإنه ينشئ (تدوينة جديدة بنفس العنوان + رقم مسلسل) أو يقوم بـ (تحديث التدوينة الأصلية)، و الاختيار الأول أفضل، و يقوم بنقلها كاملة (أو ينقل الخلاصة) دون تصرف منه، مع مراعاة التالي:

كتب في العنوان عنوان الفتوى/القول)، (يكتب في الهامش المصادر و المراجع)، (يضعها تحت قسم من أقسام التصنيفات بالمدونة)...

قواعد عامة:

- المدونة متخصصة في عرض اجتهادات العلماء المعتبرين من أهل السنة في المسائل الخلافية.

- الالتزام باحترام قدر العلماء وغرس روح إكبار العلماء والابتعاد عن ادعاء الندية.

- غرس روح إكبار العلماء و إكبار النصوص الشرعية و القواعد المجمع عليها و كذلك اجتثاث روح التعصب للمذهب المرجوح أو الهوى.

- المدونة ليست للحوار أو الجدل إنما هي مجرد عرض للآراء المعتبرة.

- إرسال الفتوى أو الرأي يتم بدون أي إضافة من المشارك (ممنوع سمعت و أظن و يهيأ إليّ و أخواتها!).

- إغلاق باب التعليقات الغير متخصصة أو التي لا تلتزم بأدب الحوار.

- شروط الاشتراك (المطلوب انضمامهم): حسن السيرة – حسن التوثيق و التثبت من الأخبار - ....

- كل من يخالف القواعد من المشاركين عمدا ينذر بالاستبعاد ثم يستبعد من المشاركة.

______

و ما زال تعديل اللائحة قائما لمن أراد ذلك من المشاركين...

الاثنين، أبريل ١٤، ٢٠٠٨

فقه الوفاق.. متى نحييه..؟!

هذا العنوان مقتبس من عنوان كتاب للشيخ الدكتور/ عبد العزيز بن مصطفى كامل (دكتوراه في الشريعة جامعة الأزهر – و عضو هيئة تحرير مجلة البيان) و هذا رابط التحميل فقه الوفاق.. متى نحييه..؟!

___

قال حفظه الله في كتابه القيم:

إن كل خطط الأعداء قد وضعت على افتراض بقاء المسلمين عامة، والإسلاميين منهم خاصة في حال من الوهن و التشرذم و الفشل الناتج عن التنازع و التخالف و الفرقة؛ فهم يعلمون عنا -من خلال المنافقين بيننا- كل ذلك، و لهذا فهم يخططون و ينفذون و هم آمنون من أي (مفاجآت) تضامنية على المدى القريب و المتوسط و البعيد، ظانين أن هذه الأمة قد فُرغ منها، فأيس عوامّها من زعمائها، و انفصلت قمتها عن قاعدتها على المستوى العام و الخاص. فدورنا الآن أن نغير خطنا في الفرقة و الشقاق إلى خطط للوحدة و الألفة و الوفاق.

___

ثم ذكر بعض الخطوات العملية التي يمكن أن نفتتح بها عهداً جديداً لمرحلة جديدة لعمل إسلامي قائم على أسس الإخاء و التناصح و التراحم- استفدت منها في وضع بعض الأهداف التي من أجلها أنشئت هذه المدونة:

1) توضيح الخطوط العريضة التي ينبغي أن يتوافق العاملون في أهل السنة جميعاً على الالتقاء حولها، مع بيان ما يجوز وما لا يجوز الاختلاف حوله، وإبراز ماهية خلاف التنوع (أو التضاد) الجائز المحمود، وخلاف التضاد المحرم المذموم، وأخلاقيات المسلم عند وقوع الاختلاف ونحو ذلك...

2) إبراز أهم الدراسات الجادة في فقه الخلاف، و أدب الحوار، و أصول الجدال بالحسنى، مساهمين من خلال ذلك في المسيرة التي طالما طالب الناصحون للأمة بتفعيلها و هي (ترشيد الصحوة الإسلامية).

3) إجراء بعض الدراسات المحايدة لفهم خلفيات الخلافيات، و رصد العوامل التاريخية و الشخصية فيها؛ فكثير من الخلافات متوارثة دون تمحيص، و العديد منها أسبابه نفسية قبل أن تكون فقهية أو فكرية، فسوف نحاول هنا حصر مسائل الاختلاف الحقيقية بين فصائل أهل السنة المعاصرين، و استعراض البحوث العلمية الجادة، أو الفتاوى المعتمدة فيها، من أهل العلم والفتوى، لتقليل مساحات الاختلاف كلما أمكن...

___

نسأل الله تبارك وتعالى أن ينفعنا و إياكم بما علمنا، و أن يعلمنا ما جهلنا، و أن يجعل هذا الجهد زاداً إلى حسن المصير إليه، و عتاداً إلى يمن القدوم عليه، إنه بكل جميل كفيل، و هو حسبنا ونعم الوكيل.