السبت، مارس ٢٧، ٢٠١٠

غلو في فهم التوحيد

عبادة الله وحده لا شريك له هي لب لباب رسالة الإسلام من لدن نوح عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم، فلا نجاة لأحد لا يحقق هذا التوحيد فيأتي اللهَ بقلب سليم من أمراض الشرك.

(إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) [ النساء: 48]، [النساء: 116].

هذه حقيقة لا شك فيها.

والحقيقة الثانية -وهي حقيقة محزنة- هي أن جماهير كبيرة من المنتسبين إلى الإسلام لم تعد تحقق هذا التوحيد، فلا بل من دعوتهم إلى هذا الأصل الأصيل قبل دعوتهم إلى فروع العبادات ومكارم الأخلاق واجتناب المحرمات.

لكن بعض إخواننا -عفا الله عنهم- غلوا في تعظيم التوحيد غلواً يكاد يجعلهم يهونون من شأن شرائع الإسلام الأخرى، و يكاد يغري المستمع إليهم بالأمن و النجاة ما دام قد حقق كلمة التوحيد مهما ارتكب بعد ذلك من ذنوب. و هذا خطأ عظيم. نعم إن أمور الحلال و الحرام العملية أقل شأناً من التوحيد، لكنها هي في نفسها عظيمة، و هي كلها مرتبطة بالعقيدة أوثق رباط.

فالإيمان يزيد بالطاعة و ينقص بالمعصية. و الانغماس في شهوات الخمر و الميسر و الزنا و أكل الربا، و اتباع النفس هواها في ظلم العباد و أكل أموال الناس بالباطل و بخسهم أشياءهم، كل هذا ذو تأثير عظيم على التوحيد مهما كان في بداية الأمر قوياً و خالصاً.

و إذا كان الإيمان يزيد بالطاعة و ينقص بالمعصية، فكيف يأمن من يظل إيمانه في نقص مستمر؟ و الذنوب من شأنها أن تحدث في النفس غفلة يقسو بها القلب قسوة قد تزيل عنه حقيقة الإيمان.

(ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتو الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبُهم وكثير منهم فاسقون) [الحديد: 16].

و المعروف أن الشهوات تفتح باب الشبهات فينتقل صاحبها من ارتكاب المحرمات إلى حبها ثم الضيق بالتشريع الذي حرمها، و الميل إلى شبهات الذين يكرهون تحريمها من شياطين الإنس و الجن:

(إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطانُ سوَّل لهم وأملى لهم. ذلك بأنَّهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنُطِيعُكم في بعض الأمر والله يعلم إسرارهم. فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم. ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم) [محمد: 25-27].

و عن عبد الله بن عمر و أبي هريرة رضي الله عنهما أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على أعواد منبره:

لينتهين أقوامٌ عن ودعهم الْجُمُعات، أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين. [أخرجه مسلم].

إن التوحيد ليس مجرد قناعة فكرية، و ما هو بمجرد استقامة لغوية، و إنما هو حال و عمل قلبي يحتاج إلى رعاية دائمة و غذاء مستمر و هو إنما يتغذى بالاجتهاد في الطاعات و اجتناب المحرمات.

اللهم أدم علينا نعمة الإيمان بك و وفقنا لطاعتك و اجتناب مساخطك و الغفلة عن ذكرك.

__________________

المرجع: "غلو في فهم التوحيد" مقال على موقع الشيخ الدكتور جعفر شيخ إدريس - للشبخ الدكتور جعفر شيخ إدريس.